الرحمة - روائع أخلاق الرسول عليه الصلاة و السلام
1- يرحم غلام أبي مسعود الأنصاري:
يروي أبو مسعود الأنصاري فيقول : كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاَمًا لِي ، فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا
( اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ )
فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ،
فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ .
فَقَالَ :
( أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ ، لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ ) [1] .
2- "يا أنيس اذهب حيث أمرتك " :
عن أنس بن مالك قال : " كان رسول من أحسن الناس خلقًا ، فأرسلني يومًا لحاجة ،
فقلت : والله لا أذهب . وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله .
قال : فخرجتُ حتى أمُرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق
فإذا رسول الله قابض بقفاي من ورائي ؛ فنظرت إليه ، وهو يضحك فقال :
( يَا أُنَيْسُ، اذْهَبْ حَيْثُ أَمَرْتُكَ ) .
قلت : نعم ، أنا أذهب يا رسول الله . قال أنس : والله لقد خدمته سبع سنين أو تسع سنين ،
ما علمتُ قال لشيء صنعت : لمَ فعلت كذا وكذا ،
ولا لشيء تركت : هلاَّ فعلت كذا وكذا " [2] .
3- ويقبل الحسن بن علي رحمة به :
قَبَّل النبي الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس [3] ،
فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبَّلتُ منهم أحدًا .
فنظر إليه رسول الله فقال :
( مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ ) [4] .
4- يطيل السجود رحمة بالصبي :
عن شداد بن الهاد [5] قال : " خرج علينا رسول الله في إحدى صلاتي العشاء ،
وهو حامل حَسَنًا أو حُسينًا ، فتقدم رسول الله فوضعه ثم كبَّر للصلاة ،
فصلَّى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها. قال أبي :
فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله وهو ساجد ، فرجعت إلى سجودي ،
فلما قضى رسول الله الصلاة قال الناس : يا رسول الله ،
إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يُوحى إليك .
قال :
( كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي ؛
فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ ) [6] .
5- ويرحم زوجه عائشة رضي الله عنها :
اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ، فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ رضي الله عنها - ابنته - عَالِيًا،
فَلَمَّا دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا ، وَقَالَ : أَلاَ أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّه !
فَجَعَلَ النَّبِيُّ يَحْجِزُهُ وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا،
فَقَالَ النَّبِيُّ حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ:
( كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ؟ )
قَالَ : فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيَّامًا ثُمَّ اسْتَأْذَنَ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا، فَقَالَ لَهُمَا :
" أَدْخِلاَنِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا .
فَقَالَ النَّبِيُّ :
( قَدْ فَعَلْنَا قَدْ فَعَلْنَا ) [7] .
6- اذهب فأطعمه أهلك :
عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله فقال : هلكت!
فقال :
( وَمَا ذَاكَ ؟ )
قال : وقعت بأهلي في رمضان .
قال :
( تَجِدُ رَقَبَةً ؟ ) .
قال : لا .
قال :
( فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ )
قال : لا .
قال :
( فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا ؟ )
قال : لا .
قال (أي الراوي) : فجاء رجل من الأنصار بعرق -
والعرق : المكتل - فيه تمر،
فقال :
( اذْهَبْ بِهَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ ) .
قال : أعلى أحوج منا يا رسول الله ؟ !
والذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا .
ثم قال :
( اذْهَبْ ، فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ ) [8] .
7- إن منكم منفرين :
عن أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله ، إني - والله -
لأتأخر عن صلاة الغداة ؛ من أجل فلان مما يطيل بنا فيها .
قال : فما رأيت النبي قط أشد غضبًا في موعظة منه يومئذٍ ،
ثم قال :
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُوجِزْ؛
فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ ) [9] .
8- فإن الله قد غفر لك :
عن أبي أمامة قال: بينما رسول الله في المسجد ونحن قعود معه إذ جاء رجل ، فقال : يا رسول الله ،
إني أصبت حدًّا ، فأقمه عليَّ . فسكت عنه رسول الله ، ثم أعاد فقال : يا رسول الله ،
إني أصبت حدًّا فأقمه عليَّ .
فسكت عنه ، وأقيمت الصلاة ، فلما انصرف نبي الله قال أبو إمامة :
فاتَّبع الرجلُ رسول الله حين انصرف ، واتَّبعتُ رسول الله أنظرُ ما يرد على الرجل ،
فلحق الرجل رسول الله فقال : يا رسول الله ، إني أصبت حدًّا فأقمه عليَّ .
قال أبو أمامة :
فقال له رسول الله :
( أَرَأَيْتَ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ أَلَيْسَ قَدْ تَوَضَّأْتَ فَأَحْسَنْتَ الْوُضُوءَ )
قال : بلى يا رسول الله .
قال :
( ثُمَّ شَهِدْتَ الصَّلاَةَ مَعَنَا ) .
فقال : نعم يا رسول الله . قال :
فقال له رسول الله :
( فَإِنَّ اللهَ قَد غَفَرَ لَكَ حَدَّكَ - أو قال - ذَنْبَكَ ) [10] .
9- يخفف الصلاة رحمة بأم الصبي :
عن أبي قتادة،
عن النبي قال :
( إِنِّي لأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا ، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي ؛
كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ ) [11] .
المصادر :
[1] مسلم : كتاب الأيمان، باب صحبة المماليك وكفارة من لطم عبده (1659) ،
وأبو داود (5159) ، والترمذي (1948) ، وأحمد (22404) ،
والبخاري في الأدب المفرد (171) ، والطبراني في الكبير (683) ،
وعبد الرزاق (17933) .
[2] مسلم : كتاب الفضائل ، باب كان رسول الله أحسن الناس خُلُقًا (2310) ،
وأبو داود (4773) .
[3] الأقرع بن حابس : هو ابن عقال التميمي المجاشعي الدارمي ، وفد على النبي ،
وشهد فتح مكة وحُنينًا والطائف ، وهو من المؤلفة قلوبهم ، وقد حَسُنَ إسلامُه .
شهد فتح العراق وفتح الأنبار ، وكان على مقدمة خالد بن الوليد .
انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب 1/193، وابن الأثير : أسد الغابة 1/149،
وابن حجر: الإصابة ، الترجمة (229) .
[4] البخاري كتاب الأدب ، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته (5651) ،
ومسلم : كناب الفضائل ، باب رحمته بالصبيان والعيال (2318) .
[5] شداد بن الهاد ، واسم الهاد : أسامة بن عمرو ، وسمِّي كذلك لأنه كان يوقد النار ليلاً للأضياف .
شهد الخندق ، وسكن المدينة، وتحول إلى الكوفة ، وله رواية عن النبي عن ابن مسعود .
انظر: ابن حجر: الإصابة (3856) ، وابن الأثير: أسد الغابة 2/374 .
[6] النسائي (1141) ، وأحمد (27688)، والحاكم (4775) ، وصححه ووافقه الذهبي ،
وابن خزيمة (936) ، وابن حبان (2805) ، واستدلَّ به الألباني في إطالة الركوع .
انظر: الألباني : صفة صلاة النبي ص148.
[7] أبو داود (4999) ، وأحمد (18418) ، والنسائي في السنن الكبرى (8495) ،
وقال شعيب الأرناءوط : إسناده صحيح على شرط مسلم .
[8] البخاري : كتاب كفارات الأيمان ، باب من أعان المعسر في الكفارة (2460) ،
مسلم : كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان ... (1111) .
[9] البخاري : كتاب الأحكام ، باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان (6740) ،
ومسلم : كتاب الصلاة ، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة (466) .
[10] مسلم : كتاب التوبة ، باب قوله تعالى " إن الحسنات يذهبن السيئات " (2765) .
[11] البخاري : كتاب الجماعة والإمامة (15) ، باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي (675) ،
ومسلم : كتاب الصلاة (4) ، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة (470) .