الرِّضا والصبر
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ
( مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ
أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ
لَهُ
وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً وَبِالإِسْلاَمِ
دِينًا .
غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ ).
صحيح مسلم
وعَنْ ثَوْبَانَ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
( مَنْ قال حينَ يُمسي : رَضِيتُ بالله ربّا
، وبالإسلامِ دينا ، وبمحمدٍ نَبِيّا ،
كان حَقّا على الله أنْ يُرضِيَهُ
)
أخرجه الترمذي
.
كتب الفاروق إلى أبي موسى الأشعري رضي
الله عنهما يقول له: أما بعد،
فإن الخير كله في الرضى، فإن استطعت أن
ترضى وإلا فاصبر.
قيل للربيع بن عبد
الرحمن:
" ما منتهى الصَّبر؟
قال: يكون يوم تصيبه مصيبة مثله قبل أن
تصيبه".
قال الفُضَيل بن
عِياض:
الرِّضا أفضل من الزُّهد في
الدنيا؛
لأنَّ الرَّاضي لا يتمنى فوق
منزلته.
وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
يقول في دعائه :
( أسأَلكَ الرِّضا بعد القضاء
)
سُئِل أبو عثمان عن قول النبي صلى الله
عليه وسلم:
( أسألك الرِّضا بعد القضاء
)
فقال: لأن الرِّضا قبل
القضاء عَزْم على الرِّضا، والرِّضا بعد القضاء هو الرِّضا.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين : عن حكم
الرضا بالقدر ؟
وهل الدعاء يرد القضاء ؟
.
فأجاب قائلا :
أما الرضا بالقدر فهو واجب ؛ لأنه من تمام
الرضا بربوبية الله ،
فيجب على كل مؤمن أن يرضى
بقضاء الله ،
ولكن المقضي هو الذي فيه التفصيل فالمقضي
غير القضاء ؛
لأن القضاء فعل الله ،
والمقضي مفعول الله ،
فالقضاء الذي هو فعل الله يجب أن نرضى به
،
ولا يجوز أبدا أن نسخطه بأي حال من
الأحوال .
وأما المقضي فعلى أقسام
:
القسم الأول : ما يجب الرضا به
.
القسم الثاني : ما يحرم الرضا به
.
القسم الثالث : ما يستحب الرضا به
.
فمثلا المعاصي من مقضيات الله ، ويحرم
الرضا بالمعاصي ،
وإن كانت واقعة بقضاء الله ، فمن نظر إلى
المعاصي من حيث القضاء
الذي هو فعل الله يجب أن يرضى ، وأن يقول
: إن الله - تعالى - حكيم ،
ولولا أن حكمته اقتضت هذا ما وقع ، وأما
من حيث المقضي وهو معصية
الله فيجب ألا ترضى به ، والواجب أن تسعى
لإزالة هذه المعصية منك
أو من غيرك .
وقسم من المقضي يجب الرضا به مثل الواجب
شرعا ؛
لأن الله حكم به كونا ،
وحكم به شرعا ،
فيجب الرضا به من حيث القضاء ومن حيث
المقضي .
وقسم ثالث : يستحب الرضا به ، ويجب الصبر
عليه ، وهو ما يقع من
المصائب ، فما يقع من المصائب يستحب الرضا
به عند أكثر أهل العلم ولا
يجب ، لكن يجب الصبر عليه ، والفرق بين
الصبر والرضا :
أن الصبر يكون الإنسان فيه
كارها للواقع ، لكنه لا يأتي بما يخالف
الشرع وينافي الصبر .
والرضا : لا يكون كارها للواقع فيكون ما
وقع ، وما لم يقع عنده سواء ،
فهذا هو الفرق بين الرضا والصبر ؛ ولهذا
قال الجمهور :
إن الصبر واجب ، والرضا
مستحب .
أما قول السائل : هل الدعاء يرد
القضاء ؟
فجوابه : أن الدعاء من الأسباب التي يحصل
بها المدعو ، وهو في الواقع
يرد القضاء ولا يرد القضاء ؛ يعني له
جهتان ، فمثلا هذا المريض قد
يدعو الله- تعالى - بالشفاء فيشفى ، فهنا
لولا هذا الدعاء لبقي مريضا ،
لكن بالدعاء شفي ، إلا أننا نقول : إن
الله -سبحانه وتعالى - قد قضى بأن
هذا المرض يشفى منه المريض بواسطة الدعاء
، فهذا هو المكتوب ،
فصار الدعاء يرد القدر ظاهريا ، حيث إن
الإنسان يظن أنه لولا الدعاء
لبقي المرض ، ولكنه في الحقيقة لا يرد
القضاء ؛ لأن الأصل أن الدعاء
مكتوب ، وأن الشفاء سيكون بهذا الدعاء ، هذا
هو القدر الأصلي الذي
كتب في الأزل ، وهكذا كل شيء مقرون بسبب
فإن هذا السبب جعله الله –
تعالى - سببا يحصل به الشيء ، وقد كتب ذلك
في الأزل من قبل أن يحدث
. "مجموع فتاوى ورسائل فضيلة
الشيخ محمد بن صالح العثيمين"
ثمانيةٌ لا بُدَّ منها على الفتى *** ولا
بُدَّ أَنْ تجري عليه الثَّمانيه
سرورٌ وهَمٌ واجتماعٌ وفُرقةٌ
*** ويُسْرٌ وعُسْرٌ ثمَّ سَقْمٌ وعافيه