وهذا الأمر وضَّحه الله - تعالى - بأجلى صورة؛ فإن أهل الكفر لا
يرضون عن قيام المسلمين بدينهم: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ
وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:
120].
{وَإذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ
لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا
يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إنْ أَتَّبِعُ إلاَّ مَا
يُوحَى إلَيَّ إنِّي أَخَافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}
[يونس: 15].
{وَإن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ
لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً}
[الإسراء: 73].
وقد جاء وفد ثقيف للنبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا أن يعفيهم من بعض
تشريعات الإسلام: (قالوا: أفرأيت الزنا فإنا قوم نغترب ولا بد منه. قال: هو عليكم
حرام؛ إن الله يقول: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إنَّهُ كَانَ
فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء: 32]. قالوا: أفرأيت
الربا، فإنه أموالنا كلها. قال لكم رؤوس أموالكم؛ إن الله يقول: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا}
[البقرة: 278]. قالوا: أفرأيت الخمر فإنه لا بد لنا منها. قال: إن الله - تعالى -
قد حرَّمها. ثم سألوه أن يعفيهم من الصلاة فقال: لا خير في دين لا صلاة فيه،
فسألوه أن يدع لهم اللات ثلاث سنوات، فأبى أن يدعها لهم.
وكذلك فعل المشركون في مجادلتهم للنبي صلى الله عليه وسلم في مسألة
أكل الميتة، وأكل ما لم يُذكَر اسم الله عليه، فقد أنزل الله فيهم:
{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإنَّهُ لَفِسْقٌ
وَإنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإنْ
أَطَعْتُمُوهُمْ إنَّكُمْ لَـمُشْرِكُونَ}
[الأنعام: 121].
فبين أنهم مشركون بطاعتهم، وهذا الإشراك في الطاعة واتباع التشريع
المخالف لما شرعه الله - تعالى - هو المراد بعبادة الشيطان المذكورة في القرآن.
ومقصود المشركين ترك تسمية الله تحايلاً على المسلمين للتمويه عليهم،
فإذا توصَّلوا منهم إلى تخطئة أحكام الإسلام أو الشك في صحتها، بأن لا فرق بين ما
سُميَ عليه اللهُ وما لم يذكًَر عليه اسمُه، وقعوا في الشرك، وإن لم يدَّعوا لله
شركاء.
ويدل على هذا أيضاً قوله - تعالى -: {وَأَنِ
احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ
وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إلَيْكَ}
[المائدة: 49].
فمن
مرادات أعداء الإسلام أن يترك المسلمون الحكم بما أنزل الله، وهذا سبب لضعفهم
وتخاذلهم ووقوع بأسهم بينهم. قال ابن تيمية: (وإذا خرج ولاة الأمر عن هذا، فقد
حكموا بغير ما أنزل الله ووقع بأسهم بينهم. قال صلى الله عليه وسلم: «ما حكم قوم
بغير ما أنزل الله إلا وقع بأسهم بينهم». وفي رواية: «إلا فشا فيهم الفقر». وهذا
من أعظم أسباب تغيُّر الدول، كما جرى مثل هذا مرة بعد مرة في زماننا وغير زماننا،
ومن أراد الله سعادته جعله يعتبر بما أصاب غيره فيسلك مسلك من أيَّده الله ونصره[/center]